الخميس، 11 يونيو 2015

تنوع الأنظمة العقارية في المغرب ودورها في التنمية الجهة الشرقية نموذجا

إن المتتبع لصيرورة التنمية في الجهة الشرقية يلاحظ نوعا من السرعة في إنشاء مشاريع اقتصادية واجتماعية، وبشكل من الكثافة والأهمية. 
والعقار في المنطقة الشرقية متنوع في الواقع الجغرافي، ومتنوع كذلك في أنظمة تملكه واستغلاله، مما يطرح على كل باحث في هذا الميدان مسألة الملاءمة بين الإشكالين: إشكال التنوع وإشكال الاستغلال.

في البداية، لا بد أن نسجل أن المنطقة الشرقية تعرف جميع أنواع الأنظمة العقارية من: 1 - ملك الخواص (الطبيعي والمعنوي)، 2 - أملاك الجماعات السلالية (أراضي الجموع وأراضي الجيش)، 3 - ثم ملك الدولة العام (الغابوي والبحري) وملك الدولة الخاص (الأملاك المخزنية)، 4 - وأملاك الأحباس.
ويختلف وجود هذه الأنواع العقارية من إقليم إلى آخر في الجهة الشرقية، فإذا كان إقليم الناظور يحتوي على أراضي الأحباس والأملاك المخزنية مع قلة أو انعدام أراضي الجموع والجيش، فإن مدينة وجدةتحتوي على الأملاك المخزنية والأوقاف وإلى حد ما أراضي الجيش. أما مدن فكيك وجرادة وبوعرفة وتاوريرت فتوجد بها وبكثرة الأراضي السلالية بحيث تبلغ في تاوريرت لوحدها أزيد من خمسمائة ألف هكتار مربع من 12 مليون هكتار على الصعيد الوطني (إحصاء 1995).
أما إقليم بركان، ونظرا إلى طابعه الفلاحي، فهو يحتوي على الأراضي الناتجة عن الإصلاح الزراعي والأراضي المسترجعة والتي تكون جزءا من الأراضي المخزنية.
إن هذا التنوع يحتم علي بحث كل نوع على حدة مع التركيز على الأنواع التي تثير مشاكل في استغلالها:
أراضي الجموع (أراضي الجماعات السلالية):
هذا النوع من الأراضي يرجع وجوده إلى ما قبل الإسلام، إذ هذا النظام هو أصل الملكية الآن، وذلك بعد أن عرف نوعا من التطور، حيث انتقل التملك من العائلة (الفرد) إلى الجماعة (القبيلة).
ولهذا يتم استغلالها بكيفية جماعية، إما بشكل مؤقت أو بصفة دائمة حسب الظروف، مع إبقاء الأراضي الرعوية مشتركة الاستغلال بين الجميع.
ويتم ذلك من طرف القبائل أو الدواوير أو العشائر التي قد تربط بينها روابط عائلية أو عرقية أو اجتماعية، مع أن حقوق الأفراد فيها غير مميزة عن حقوق الجماعة.
وهي تخضع في جانب منها للشريعة الإسلامية، وفي جانب آخر لظهير 1919.04.27. وتبقى العادات والأعراف القبلية أهم العناصر التي يرتكز عليها نظام أراضي الجموع في المغرب. غير أن ظهير 1919.04.27 نص في فصله الأول على عدم قابلية أملاك الجموع للتفويت أو الحجز أو التقادم.
إلا أنه علاوة على إمكانية نزع ملكيتها من أجل المنفعة العامة لفائدة الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، نص القانون كذلك على بعض الاستثناءات عند التصرف في مثل هذا النوع من الأراضي كالتفويت أو التقسيم كما هو وارد في الظهيرين 1938.05.28 و1951.05.09، أما ظهير 1959.07.28 فقد عهد بالوصاية على الأراضي الجماعية إلى وزارة الداخلية (مجلس الوصاية)، ولا يمكن لهذا المجلس تفويت هذا العقار أو التقاضي حوله أو التصرف فيه إلا بعد موافقة الوزارة الوصية على ذلك.
وعموما، إذا كانت الأراضي الجماعية في السابق تخصص لقيام الأنشطة الزراعية والرعوية لبعدها عن مركز المدينة، فإنها اليوم توجد في مناطق حضرية أو شبه حضرية بسبب التمدد العمراني، مما يحتم إعادة النظر في القوانين التي تنظمها، وبالتالي تسهيل إدخالها في الوعاء العقاري المخصص للتنمية البشرية والعمرانية والاقتصادية، وذلك بتسهيل مسطرة اقتنائها من أجل إنشاء مشاريع توفر فرص الشغل وتخلق ثروة جديدة، ولو بواسطة الشراكة كما نصت على ذلك الدورية عدد 103 الصادرة عن وزارة الداخلية بتاريخ 1994.07.26، وذلك بين الجماعات الأصلية المالكة والجماعات والمؤسسات العمومية كلما تعلق الأمر باقتناء مثل هذه الأراضي.
لكن، يبقى الإشكال قائما، وخاصة مع الدورية عدد 404 الصادرة عن نفس الوزارة بتاريخ 11 غشت 1993 التي تمنع أي إدارة أو مؤسسة عمومية من إنجاز أي مشروع تنموي فوق الأراضي الجماعية ما لم تتوصل بالموافقة المبدئية على التفويت لفائدتها من طرف المصالح المركزية لوزارة الداخلية. وهو تعقيد لمسطرة تعاكس السرعة المطلوبة في إنجاز المشاريع الاجتماعية أو الاقتصادية، مما يحتم إعادة النظر فيها مع الحفاظ على حقوق المستغليين لمثل هذه الأراضي ومنذ أمد بعيد، مع تجاوز بعض الأعراف والتقاليد المطروحة من قبل التمييز بين الرجال والنساء في الإرث الساري في مثل هذه الحالات.
ملك الدولة العام والخاص:
تتشكل هذه الأملاك من ملك الدولة العام كالملك الغابوي أو الملك البحري، كما تتشكل من أراضي الموات، والأراضي التي تفتقر إلى وارث شرعي، وتضم كذلك الأراضي المسترجعة من أيدي المعمرين.
أما الملك الخاص للدولة فيضم جميع العقار المنقول الكائن في المدار الحضري أو القروي أو ما يطلق عليه (الأملاك المخزنية)، كالسكن الوظيفي أو التجمعات السكنية المنجزة من طرف الدولة؛ فمع فتح المغرب لمجال الاستثمار في الميدان العقاري، كان من اللازم فتح بعض المناطق البحرية والغابوية لأجل إنجاز مشاريع سياحية وترفيهية، وذلك تحت عهدة مراكز الاستثمار الجهوية وبموافقة من جميع المصالح التي تتدخل في مثل هذه العمليات.
لكن، هذا لا ينبغي أن ينسينا أهمية المحافظة على الغطاء الغابوي، وكذا على التنوع البيولوجي البحري، وذلك بالتنصيص على ذلك في دفتر التحملات مع إلزامية احترام بنوده، وإخضاع كل تفويت لتمحيص دقيق تبعا لأهمية المشروع المراد إنجازه في هذه الجهة أو تلك.
أما تفويت الملك الخاص فهو يخضع لمسطرة خاصة، ويتم بواسطة مراسيم وزارية تصدر عن الوزير الأول بعد دراسة المشروع وأهميته، وكذلك بعض الظروف التي تحتم هذا التفويت.
أحمد خرطة -

أستاذ باحث في جامعة محمد الأول بوجدة 

صفحتنا على الفيس بوك